صاحبه الضرم، فإذا رآه العارف لم يُنكر شيئاً من أمره، ولا علم فاسده ولو بحث فيه مدة عمره، والمكاتيبُ الشرعية إلى الآن تشهد له بحسن العلائم، وتمد لعيونِ الكتاب منها موائد وتعمل لهم فيها ولائم.
وكان حسن الشكل والعمة، وافر العقل عالي الهمة، ندب في أيام الصاحب شمس الدين غبريال لنظر بيت المال، فأتبى وفكر في العقبى والمال، وكان بصيراً بالفتوى، جيد الأحكام لا يقع منها في بلوى، يتوقد ذهنه من الذكاء والفطنة، ويدرك الغوامض التي مضى الأوائل وفي قلوبهم منها إحنةً، وكان يميل إلى التسري بالأتراك، ويقع معهن في الحبائل والأشراك، فكنت أراه جمعةً في سوق الجواري، وجمعة في سوق الكتب ليجمع بذلك بني الدر والدراري. وتعلم اللغة التركية من جواريه، وتكلم بها فقل من يؤاخذه فيها لما يجاريه. هذا مع براعة في عبارته، وفصاحة في كلامه، وبلاغة في إشارته.
أخذ الأصول عن العلامة كمال الدين بن الزملكاني، قاضي القضاة، وجلال الدين القزويني لما كان خطيباً، وغصن برهان الدين المذكور من الشباب رطيباً. ورأيته يحضر دروس العلامة ابن تيمية كثيراً، ويأخذ من فوائده ما شادَ به مجداً أثيلاً أثيراً، يجلس منصتاً لا يتكلف لبحث ولا يتكلم، ويرى أنه يتعلقُ بأهدافه ويتعلم، إلى أن قضى نحبه وسكن تُربه، ولقي ربه، رحمه الله تعالى.