ثم لما ملك الملك الصالح صالح، أفرج عنه، وحضر معه إلى الشام في واقعة بيبغاروس، ولما عاد إلى مصر رسم له بإمرة مئة فارس وتقدمة ألف، وعظم شأنه، وارتفع قدره في الدولة الناصرية الثانية، وعين لنيابة الشام مرات، فما اختار ذلك.
ثم إنه تعلل وطال مرضه قريباً من سنة إلى أن ورد الخبر بوفاته رحمه الله تعالى في شوال سنة تسع وخمسين وسبع مئة.
[توبة]
ابن علي بن مهاجر بن شجاع بن توبة: الصاحب تقي الدين أبو البقاء الربعي التكريتي. المعروف بالبيع.
كان أولاً تاجراً، حضر إلى البلاد وتعرف بالسلطان الملك المنصور وهو أمير قبل الملك، فلما آل الأمر إليه ولاه وزارة الشام مدة، ثم إنه عزله، ثم تولى وصودر غير مرة، ثم يسلمه الله تعالى.
وعمر لنفسه تربة مليحة تصلح للملك، وكان يظلم الناس ويعسف، ويهيل كثبان الأموال وينسف، إلا أنه مع ظلمه فيه مروءه، وعنده من الإسلام بقايا رحمة مخبوءه، وتقريب لأهل الصلاح، وادخار من دعاء الفقراء، فإنه أوقى جنة وأمضى سلاح.
ولم يكن له باطن ينطوي على غش، ولا يسكن الخبث معه في عش، وفيه سماح ومزاح غير مزاح، وكرم يباري به الرياح، وحسن خلق يصفو به كدر الماء،