وكان هذا ظريف القد، أسيل الخد، وجفنه يجرد سيفاً ماضي الحد، وخده كأنما ورد الورد وما رد، ظريف العمة، لبق الشمائل، يود الغصن لو ضمة، والبدر لو وهبه كماله وتمه. يتجمل به الموكب إذا كان في دارته، والأفق إذا تخيل أنه في شارته. ومع حسنه البارع فكان لطيفاً، إذا خطا رأيت الجمال به مطيفاً، سهل الإنقياد، كثير الوداد، ليس فيه شمم، ولا عنده عن طلب الميل صمم.
ولم يزل إلى أن أذبل الموت ورد خده، وكف عن جفنه غرب حده.
وتوفي رحمه الله تعالى في أوائل شهر رجب سنة تسع وأربعين وسبع مئة، ولم يبقل وجهه.
[علي بن طنبغا قوين باشي]
علاء الدين ابن الأمير علاء الدين نائب حمص ونائب غزة. تقدم ذكر والده في مكانه من حرف الطاء.
كان هذا علي ذا صورة جميلة، وطلعة كم جعلت القلوب من حسنها دمنة، والعيون كليلة، أرشق من الغصن إذا عطفته النسمات، وأعدل من الرمح إلا أن هذا ألطف حركات، كم فتن قلباً، وجعل من الصب دمعه صبا.
بينا هو بدر في ليالي كماله إذا به قد انخسف، وبينا هو غصن يميس في اعتداله إذا هو قد انقصف، وأنشد الناس قبره:
ما أنت يا قبر لا روض ولا فلك ... من أين جمع فيك الغصن والقمر
وتوفي رحمه الله تعالى بكرة الثلاثاء رابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة، ومات عن اثنتين وعشرين سنة، وصلى عليه بسوق الخيل، وحضره الأمير سيف الدين والأمراء.
وكانت جنازته حافلة، وكان قد حج مرتين، وأثنى الناس عليه، وتألموا له ولوالده.
[علي بن عثمان]
ابن يعقوب بن عبد الحق السلطان أبو الحسن بن أبي سعيد بن أبي يوسف المريني، صاحب مراكش وفاس وغيرهما، المريني، تقدم ذكر والده في مكانه.
ملك أبو الحسن هذا، رحمه الله تعالى، بعد موت والده سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة. وكان سلطاناً فاضلاً، مناظراً للفقهاء ولأرباب السلاح مناضلاً.
قام بالجهاد مدة ملكه، ونظم كثيراً من البلاد في سلكه، امتشق الصوارم واعتقل الأسل، واشتار العسل من غزواته وما اختار الكسل، وباشر القتال بنفسه، وأقام وجهه للنبل مقام ترسه، ووجد ضرب المواضي أحلى من الضرب، وجاد بروحه للخطوب حتى كأنما له في قتله أرب. يكر على الأبطال، والسيف مصلت بكفه، ويقدم على الصفوف باجتهاد، كأنه يخاف أن يطعن من خلفه، فما حمل على جيش إلا أباده، وأبان للملائكة كره، وفره وطراده، وأجال في حومات الوغي