كان شديداً في أحكامه، سديداً في نقضه وإبرامه، ولا يراعي ولا يداهن مخلوقاً، ولا يعرف من كان مرموقاً بالأبصار أو موموقاً، قد تلبس بالصلابة، وتأنس بالتصميم دون اللين، فلا يجيب من دعا به إلى دعابة، وكان قاضي القضاة يعتمد في الأحكام المعضلة على حكمه المسدد، وتحقق أنه تفرد في عصره بهذا الخلق، وتفرد، إلى أن جاء الحسباني، ما لم يكن في حسابه، وانفرد بعمله تحت الأرض وخلا به ولم يخلف مثله، ولا من استظل بأنه وأثله، رحمه الله تعالى.
[إبراهيم بن محمد بن ناهض]
الشيخ الإمام الأديب تقي الدين أبو إسحاق المعروف بابن الضرير - تصغير ضرير - الحلبي.
كان إمام الفردوس بحلب، ومعه أيضاً وظيفة في البيمارستان الذي أنشأه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي بحلب. وهذا تقي الدين كان أديبَ حلب، وأحد من امترى أخلاف الأدب وحلب. وأهدى إلى بني الزمان نفائس القريض وجلب، وسلب الذهن بعبارته الفصحى وخلب. وجد في جمع الدواوين وكتبها، وذهبها بخطه وهذبها. كتب ما لا يحصى، ونقب عن مصنفات أهل عصره واستقصى.
ولم يزل يكتب ويجمع، ويسمو بهمته إلى تحصيل ما يسمع، إلى أن فتح الموت لابن الضرير عينيه، وخر صريعاً لليد والفم بين يديه.
وتوفي رحمه الله تعالى في عاشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وسبع مئة. ومولده أول سنة ٦٩٥هـ.