السلطان الملك الناصر ناصر الدين ابن السلطان الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور.
ملك قهر الجبارين أخيرا، وصبحهم في مأمنهم مغيرا، وجعلهم في السجون وحدانا وكانوا أكثر نفيرا، وملأ القلوب سطوه، ولم يدع أحداً ينقل في غير الطاعة خطوه، واحتجن الأموال، وأرى الناس الغير والأهوال، وبنى المدرسة العظمى، وأنفق البلغاء فيها حواصل أفكارهم نثراً ونظما، ووقف عليها الوقوف التي تجري سيولها، وتسري في البر خيولها. إلا أن الدهر ما أمهله لتتكمل بدورها وتتأمل العيون ما تتطاول إليه قصورها، ولو تمت لخذلت مستنصرية ببغداد عندها، واعترفت لها بالتعظيم عن نية طاهرة لا عن دها:
تعنو الكواكب إجلالاً لعزتها ... وتستكين لها الأفلاك من عظم
كأنّها إرمٌ ذات العماد وإن ... زادت بمالكها فخراً على إرم
ولم يزل في عز سلطانه وجبروته، ومروره في بيد طيشه ومروته إلى أن خلع من الملك، وأنزل من درجات النعيم إلى درجات الهلك، حالة ألفها الناس من أم ذفر، وغاية لا بد منها لكل سفر، وذلك في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وسبع مئة.