كتب المنسوب الفائق، وحقق ما فيه من الطرائق، وأتقن أقلامه السبعة، مع ثبوت التأنق وعدم التأني والسرعة، تسابق البروق أقلامه، وتفوق سطوره الدر إذا زانه نظامه. كأنما همزاته الحمائم على ألفاته التي هي الأغصان، وكأنما عطفات الجيمات وجنات، ونقطها خيلان. كم كتب ختمة وكأنها للعيون روضة ورد، وكم حرر ربعة فلم تحتج إلى ذهب ولا لازورد، تسودت بعده أوراق التجويد، وتحطمت أقلام الكتاب بعدما كانت أماليد:
وأكبت الكتاب تبكي بعده ... بمدامع بلت بها أوراقها
باشر جهات الديوان والأوقاف والدرج، وكان معدوداً في كتاب الحساب، متفرداً بالضبط في الدخل والخرج.
ولم يزل على حاله إلى أن قطع الآمدي مدى الحياة، وجعله الطاعون ملقى على قفاه.
وتوفي رحمه الله تعالى بعد عصر الخميس ليلة عيد رمضان سنة أربع وستين وسبع مئة في طاعون دمشق، وقد ناهز الخمس وسبعين.
وكان إماماً في صناعة الحساب، ليس في كتاب المسلمين له نظير في عصره. كنت أقول له: كم جملة ما أقول لك، وهو خمس مئة عشرون ألف وخمس عشرة وثمانين وخمسة وعشرين وسبعة وثلاثون ومئة وسبعين. وأقول له من هذه التفاصيل جملة، وهو يلتقط ذلك على أصابعه، فإذا فرغت من الكلام، قال على الفور: كذا وكذا.