القاضي زين الدين أبو حفص الصفدي، كاتب الإنشاء بالشام ومصر أصله من نين قرية من مرج بني عامر من صفد، بنونين، بينهما ياء آخر الحروف على وزن بين ودين.
كان كاتباً ذكياً، فاضلاً سرياً، يقع على المقاصد، ويرقب المجرات ويراصد، إذا أخذ كتاباً تأمل فضوله، وتصور محصوله، وأجاب عنه بأجوبة بليغة ساده، دالة على غزارة المادة، وكان قلمه بليغاً إذا كتب مسترسلاً من غير سجع، واتكل على ما عنده في ذلك من الطبع، لأنه يأتي بما يكتبه، بليغ المعاني، مستوفي المقاصد، تام المراد، غير مخل ببيان ولا فاسد.
أما نظمه فكان قليلاً مرذولاً، بطيئاً مهزولاً، ونثره كان أجود منه؛ إلا أنه كان وعر الجادة، ناب عن الطبع غير سار في المادة، وخطه أيضاً قوي منسوب، لكن ما عليه حلاوة، ولا له ما لخط غيره من اللطف والطلاوة؛ إلا أنه كان صبوراً على الكتابة، لا يسأم تواترها، ولا يمل تكاثرها، يقوم بتنفيذ ما في الديوان، ويسد مهماته على أحسن ما يكون وأسده، ولو بلغت إلى كيوان.
تنقل من صفد إلى دمشق إلى غزة إلى الرحبة، ثم إلى دمشق، ثم إلى مصر إلى دمشق إلى مصر كرتين هبة بعد هبة، مع عطلة تخللت ذاك، وكاد الأمر يكون حتماً بغير انفكاك، ولكنه لطفت به المقادير، وأعادت اسمه إلى الدساتير.