وكان قد نزل إلى دمشق، وقرأ على الشيخ نجم الدين القحفازي نحواً وعروضعاً، ولما رآه الجماعة بهذه المخيلة عبثوا به، ونظم فيه جمال الدين يوسف الصوفي رحمه الله تعالى.
وسائل يسأل مستفهماً ... من أين ذا المولى علي ورد
قلت له: من صفد، قال لي: ... ولا رأى أولى به من صفد
وشاع البيتان في دمشق واشتهر، فحصل له خيال، وترك دمشق، وتوجه إلى صفد، وفتح له حانوت تجارة في البطاين، ثم إنه طلب في بكرة نهار فلم يوجد له خبر، وغاب سنين ولم يظهر له أثر، فعمل أهله عزاءه. ولما كان بعد مدة ظهر خبره من مصر، ثم إنه عاد إلى صفد، فرأيته قد زاد الحال به، وقد تعلق بلعب الشطرنج، فكان يستغرق نهاره وليله، ولا يأكل ولا يشرب إلا إذا لم يجد من يلعب معه، وزاد في ذلك، فقلت له: يا مولانا، هذا الشطرنج هو مثل الكتابة، متى وصل الإنسان فيهما إلى غاية لا يمكنه أن يتعداها، وأنا قد نصحتك فما بقيت تقدر تزداد على هذه الغاية التي وصلت إليها شيئاً. فقال: كيف أعمل؟ أريد أكون فيها عالية مثل غيري. قلت: هذا الذي فتح الله به عليك، فلم يرجع عن غيه، ثم إنه لازم ذلك زماناً وعاد إلى ما قلت له. ثم إنه نزل إلى دمشق ورأيته بها، ثم إنا طلبناه فلم نقع له على خبر. وبعد حين تقديره عشرة أعوام طلع خبره في اليمن، وأنه هناك شيخ حديث، وهذا آخر عهدي بخبره في سنة ست وثلاثين وسبع مئة.