قرأ واشتغل قليلاً، وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبع مئة، وفوض جميع ما إليه من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر محمد، وسارا معاً إلى غزو التتار، وشهدا مصاف شقحب في شهر رمضان سنة اثنين وسبع مئة، وهو مع السلطان راكب، وجميع كبار أمراء الجيش مشاة، وعليه فرجية سوداء مطرزة وعمامة كبيرة بيضاء بعذبة طويلة، وقد تقلد سيفاً عربياً محلى.
ولما فوض الأمر إلى الجاشنكير، وقلده السلطنة بعد توجه السلطان الملك الناصر، ولقب المظفر، عقد له اللواء، وألبسه خلعة السلطنة: فرجية سوداء وعمامة مدورة، وركب بذلك والوزير حامل التقليد على رأسه، وهو من إنشاء القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر وأوله:" إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " هذا عهد لا عهد لمليك بمثله.
رأيته أنا بالقاهرة مرات، وكان تام الشكل حسنا، يملأ برونقه العين مهابة وسنا، تعلوه الهيبة والوقار وعليه من أبهة الخلافة والأمانة أنوار، يجود لو كان المال طوع حكمه، وينصف المظلوم ولكن هو يشكو مثل ظلمه.
ولم يزل بمصر إلى أن تنكر السلطان عليه، وكاد من الحنق يحضره بين يديه، فأطلعه وأهله إلى القلعة، وأسكنه برجاً مطلاً على الباب، وحير في أمره ذوي العقول والألباب، فلم يركب ولم ينزل، ولم يدخل ولم يخرج وهو في المنزل، وبقي مدة تقارب الخمسة أشهر، ثم أفرج عنه، وأنزله إلى داره، وهو لم يشتف منه. ثم إنه تنكر عليه بعد نصف سنة أخرى، وجرعه في هذه المرة كأساً مزاجها مراً، وجهز وأولاده إلى قوص في سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة، فراح إليها والعيون من الناس عليه عبرى، والنفوس لم