وأما ما أخبرني به شيخنا أبو الفتح من لفظه، وكان به خصيصاً ينام عنده ويسامره، قال: كان الأمير علم الدين قد لبس بالفقيري وتجرد وجاور بمكة، وكتب الطباق بخطه، وكانت في وجهه آثار الضروب من الحروب، وكان إذا خرج إلى غزوة خرج طلبه وهو فيه إلى جانبه شخص يقرأ عليه جزءاً من أحاديث الجهاد، وقال: إن السلطان حسام الدين لاجين رتبه في شد عمارة جامع ابن طولون، وفوض أمره إليه، فعمره وعمر وقوفه، وقرر فيه دروس الفقه والحديث والطب، وجعل من جملة ذلك وقفاً يختص بالديكة التي تكون في وسط سطح الجامع في مكان مخصوص بها، وزعم أن الديكة تعين الموقتين وتوقظ المؤذنين في السحر، وضمن ذلك كتاب الوقف، فلما قرئ على السلطان أعجبه ما اعتمده في ذلك، ولما انتهى إلى ذكر الديكة أنكر ذلك، وقال: أبطلوا هذا، لا يضحك الناس علينا.
وكان سبب اختصاصه بفتح الدين أنه سأل الشيخ شرف الدين الدمياطي عن وفاة البخاري فما استحضر تاريخها، ثم إنه سأل أبا الفتح عن ذلك فأجابه، فحظي عنده وقربه، فقيل له: إن هذا تلميذ الشيخ شرف الدين فقال: وليكن.
قلت: وغالب رؤساء دمشق وكبارها وعلمائها نشؤه.
وجمع الشيخ كمال الدين الزملكاني مدائحه في مجلدتين بخطه أو واحدة.
وكتب إليه علاء الدين الوداعي يعزيه في ولد اسمه عمر، ومن خطه نقلت:
قل للأمير وعزه في نجله ... عمر الذي أجرى الدموع أجاجا
حاشاك يظلم ربع صبرك بعد من ... أمسى لسكان الجنان سراجا