وهي في الدنيا أنموذج الجنة التي وعد بها المتقون، ومثال النعيم للذين عند ربهم يرزقون، وهي زهرة ملكنا، ودرة سلكنا، وقد خلت هذه المدة ممن يراعي مصالح أحوالها، ويرعى نجوم أموالها، ويدبر أمر مملكتها أجمل تدبير، ويحمي حوزتها ويحاشيها من التدمير، فيسم منها غفلا، ويحلي عطلا، ويملأ خزائنها خيراً يجلى، إذا ملأنا ساحتها خيلاً ورجلا. تعين أن ننتدب لها من خبرناه بعداً وقربا، وهززناه مثقفاً لدناً وسللناه عضبا، وخبأناه في خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدخر وأعز ما يخبا، كم نهى في الأيام وأمر، وكم شد أزراً لما وزر، وكم غنيت به أيامنا عن الشمس، وليالينا عن القمر، وكم رفعنا راية مجد فتلقاها عرابة فضله بيمين الظفر، وكم علا ذرى رتب تعز على الكواكب الثابتة، فضلاً عمن يتنقل في المباشرات من البشر، وكم كانت الأموال جمادى فأعادها ربيعاً غرد به طائر الإقبال في الجهات وصفر.
وكان المجلس العالي القضائي الوزيري الصاحبي الأميني هو معنى هذه الإشاره، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الداره، نزل من العلياء في الصميم، وفخر بأقلامه التي هي سمر الرماح كما فخرت بقوسها تميم، وتحفظت الموال في دفاتره التي يوشيها فأوت إلى الكهف والرقيم، وقال لسان قلمه " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "، و:
عقم الزمان بأن يجيء بمثله ... إنّ الزمان بمثله لعقيم