هذا من المستحيل، وعلى الجملة فكان خبره أكبر من خبره، وهو أبو دلف زمانه الذي ولت الدنيا على أثره، وقد تمكن من سلطانه تمكن الصبابة من بني عذرة، والشجاعة من آل أبي صفرة، وحل منه محل الإنسان من العين. وأطاعه طاعة امفلس لرب الدين، فهو له في القوبل مثل المحب للواشين، والغر للغاشين لا يكاد يخالفه، ولا يرى هواه في شيء إلا يميل إيه ويحالفه، وكان به لذلك الملك نضارة، ولذلك العصر غضارة:
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم ... بعد الممات جمال الكتب والسير
ولم يزل نجمه في سعود، وعزمه في صعود، إلى أن غدر به زمانه، وخانه محبوه وإخوانه، وتبرأ منه من كان يجمعهم خوانه فقبض عليه ونظر بعد الرضا بعين السخط إليه وجهزه إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، ومن هناك انتقل إلى رضوان، وادعي أنه شنق روحه، واختار أن سكن ضريحه، وذلك في ثالث عشر شوال سنة أربع وعشرين وسبع مئة.
وكان قد أسلم كهلاً أيام الجاشنكير، وكان كاتبه، وكان لا يصرف على السلطان شيء إلا بقلمه، ويقال: إنه طلب يوماً إوزة، ولم يكن كريم الدين حاضراً، فتعذر