القضاة تقي الدين السبكي، وفخر الدين النويري، وخلق كثير من الرحالين، وطال عمره، وتفرد بأشياء.
قال المزي: ما رأيت أحفظ منه. وسمع جزء ابن عرفة من بضع وثمانين نفساً بالشام ومصر والعراق والجزيرة وجزء ابن الأنصاري من أكثر من مئة شيخ.
وكان قد أربى على من تقدمه في علم النسب، لأنه طفا على من سواه، وغيره رسا ورسب. وكان قد برع في علوم، وآسى بعرفانه ما أعيا من الكلوم، وتفنن في فضائل، وتفرد بأدلة ومسائل، وصنف التصانيف المحررة، والتواليف المحبرة، ونحوه فيه غوامض، ولغته فيها الروافع والخوافض، إلى فصاحته المنتهى، وقراءته هي رصد السمع والمشتهى، سريع القراءة لا يعرف التثبت ولا الإناءة، كأنه السيل إذا تحدر، والبحر إذا اندفع بعدما تصدر. مليح الهيئة، قريب العودة والفيئة، حسن الأخلاق، غنياً بعلمه لا يلتفت في الإملاء إلى الإملاق، جيد العبارة، ظريف الإشارة، صحيح الكتب كثيرها، غزير المادة لمن يثيرها، باسم الثغر في ملقاه، طالب الزيادة والعلو في مرقاه، حلو المذاكرة، زائد الإمتاع والتفنن في المحاضرة، حسن العقيدة، كافاً عن الدخول في الكلام، لا يفتح وصيده، ينظم القريض، ويأتي به كالإغريض.
وكان موسعاً عليه في رزقه، ولم يك كما جرت العادة مثل من خمل مع حذقه، له عند الناس حرمة وجلاله، وأبهة في النفوس تزين خلاله.
ولم يزل يسمع الحديث إلى أن مات فجاءه، وكأنما كان ينتظر قدوم الموت فجاءه.
وتوفي رحمه الله تعالى في نصف صفر سنة خمس وسبع مئة.
وقال شيخنا علم الدين البرزالي: في خامس عشر ذي القعدة من السنة المذكورة.