ولما كان مستوفياً وهو نصراني كانت أخلاقه حسنة، وفيه بشر وطلاقة ورجه وتسرع إلى قضاء حوائج الناس، ولما تولى الخاص وكثر الطلب عليه من السلطان، وزاد السلطان في الإنعامات والعمائر وبالغ في أثمان المماليك وزوج بناته وتوجه إلى الحج واحتاج إلى الكلف العظيمة المفرطة الخارجة عن الحد ساءت أخلاق النشو، ولبس للناس جلد النمر، وأنكر من يعرفه، وفتحت أبواب المصادرات للكتاب ولمن معه مال، وكان الناس يقعون معه ويقومون إلى أن جرح، فازداد الشر أضعافه، وهلك أناس كثيرون، وسلب جماعة نعمهم وذهبت أرواح، وزاد الأمر إلى أن دخل الأمير سيف الدين بشتاك والأمير سيف الدين قوصون وجماعة من الخاصكية ومعهم عبد المؤمن الذي تقدم ذكره إلى السلطان، فقال عبد المؤمن: أنا الساعة أخرج إلى النشو وأضربه بهذه السكينة، وأنت تشنقني وأريح الناس من هذا الظالم، فقال السلطان: يا أمراء متى قتل هذا بغتة راح مالي، ولكن اصبروا حتى نبرم أمراً، فلما كان ليلة الاثنين ثاني صفر الشهر المذكور اجتمع السلطان به، وقال له: غداً أريد فلاناً، فاطلع أنت من سحر لتروح وتحتاط عليه، وأحضر جماعتك ليتوجه كل واحد إلى جهة أعينها له. فلما كن من بكرة النهار طلع القلعة ودخل إليه واجتمع به وقرر الأمر معه، وقال له: اخرج حتى أخرج أنا وأعمل على إمساكه مع الأمراء، فخرج وقعد على باب الخزانة، وقال السلطان لبشتاك: اخرج إلي النشو وأمسكه، فخرج إليه وأمسكه وأمسك أخاه مجد الدين رزق الله المذكور في حرف الراء، وصهره ولي الدولة، وأخاه الأكرم، وجماعتهم، وعبيدهم، ولم يفت في ذلك الوقت إلا المخلص أخوه الكبير، فإنه كان في بعض الديرة، فجهز إليه من أمسكه وأحضره، وسمل بشتاك النشو إلى الأمير