أخبرني القاضي ناصر الدين بن الصاحب شرف الدين كاتب السر بدمشق، قال: سمعت الأمير سيف الدين أرغون النائب يقول بحلب: ما رأيت رجلاً مثل الشيخ علاء الدين القونوي ولا ملأ عيني غيره.
وكان يعرف بالتركي وبالعجمي.
ولم يزل على حاله إلى أن توفي الشيخ كمال الدين محمد بن الزملكاني ببلبيس، وقد طلبه السلطان ليوليه قضاء دمشق، فحينئذ عين السلطان الشيخ علاء الدين لقضاء الشام، فما خرج منها إلا كارهاً. كان يقول لأصحابه الأعزة عليه: أخملني السلطان كونه لم يولني قضاء الديار المصرية، وليته كان عينني لذلك في الظاهر، وكنت أنا سألته الإعفاء من ذلك.
ولما خرج إلى الشام حمل كتبه معه على البريد، وأظنها كانت وقر خمسة عشر فرساً أو أكثر. وباشر منصب الحكم بدمشق أحسن مباشرة بصلف زائد وعفة مفرطة، ولن يكن له تهمة في الأحكام، بل رغبته وتطلعه إلى الإشغال والإفادة. وطلب الإقالة أولاً من السلطان، فما أجابه، ثم إنه لما جاء إلى الشام واستقر في دمشق، كتب إلى شيخنا العلامة تقي الدين السبكي ليناقله إلى وظائفه بالقاهرة، ويأخذ هو قضاء الشام، فما وافقه ذاك.
وكان منصفاً في بحوثه، ريضاً معظماً للآثار، ولم يغير عمته للتصوف. ولما جاء إلى دمشق، بلغني أنه أحضر القاضي فخر الدين المصري والقاضي جمال الدين ابن جملة، وحل من وسطه كيساً فيه ألف دينار، وقال: هذه جاءت معي من الديار المصرية.