والولي الحميم، عميت الأخبار، وطويت طي السجل الآثار، فلم نر مخبراً صدقاً ولا معلماً بمن استقر له ذلك الملك حقاً، وفي أثناء ذلك أحفزنا الحركة عن حضرتنا لاستصراخ أهل الأندلس وسلطانها وتواتر الأخبار بأن النصارى أجمعوا على خراب أوطانها، ونحن أثناء ذلكم الشأن نستخبر الوارد من تلكم البلدان عما أجلى عنه ليل الفتن بتلكم الأوطان.
فبعد لأي وقعنا منها على الخبير، وجاءنا بوقاية حرم الله بكم البشير، وتعرفنا أن الملك استقر منكم في نصابه، وتداركه الله منكم بفاتح الخير من أبوابه، فأطفأ بكم نار الفتنة وأخمدها، وأبرأ من أدواء النفاق ما أعل البلاد وأفسدها. فقام على سبيل الحج سابلا، وتعبد طريقه لمن جاء قاصداً أو قافلاً، ولما اجتمعت بهذا الخبر القرائن، وتواتر بنقله الحاضر له والمعاين، أثار حفظ الاعتقاد البواعث، والود الصحيح تجره حقاً الموارث، فأصدرنا لكم هذه المخاطبة المتفننة الأطوار، الجامعة بين الخبر والاستخبار الملبسة من العزاء والهناء ثوبي الشعار والدثار، ومثل ذلكم الملك رضوان الله عليه من يجل المصاب لفقدانه، وتحل عرا الاصطبار لموته ولات حين أوانه، ولكن الصبر الجميل أجمل ما ارتداه ذو عقل حصين، والأجر أولى ما اقتناه ذو دين متين، ومثلكم من لا يخف وقاره، ولا يشف عن ظهور الجزع للحادث اصطباره ومن خلفكم فما مات ذكره، ومن قمتم بأمره فما زال بل زاد فخره، وقد طالت والحمد لله العيشة الراضية بالحقب، وطاب بين مبتداه ومحتضره هنيئاً بما من الأجر اكتسب،