وكان هذا القاضي علاء الدين كثير الرئاسة، غزيز السياسة، لا يكاد أحد يسبقه إلى عزاء ولا هناء، ولا ينزل من مضارب الرئاسة إلا في خباء مروءة وحياء، يود من يعرفه ومن لا يعرفه، ويسعف الخصم في الحق ولا يعسفه:
منجذ من بني المنجا ... نال من الفضل ما ترجى
أسرع في نيل كل مجد ... وهم في قصده ولجا
فصار بحراً في العلم يصفو ... ولم ير الوصف منه لجا
ولم يزل على حاله المرضية، وأوامره المقضية، إلى أن وقع ابن المنجا في شرك المنية وما نجا، وكاد النهار يكون لقده دجا.
وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الخميس سابع شعبان سنة خمسين وسبع مئة.
وتولى القضاء بعد قاضي القضاة جمال الدين المرادوي الحنبلي.
نقلت مولده من خطه ليلة نصف شعبان سنة سبع وسبعين وست مئة.
وكان قد لبس تشريفه بقضاء قضاة الحنابلة بدمشق يوم الأربعاء حادي عشر شهر رجب الفرد سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة.
وكان رحمه الله تعالى كثير الرئاسة والحشمة، قل أن يسبقه أحد إلى هناء أو عزاء، ويشارك أهل العزاء والهناء في شأنهم. ولما توفي فتاي مراد حضر إلي إلى البيت وعزاني فيه، وتوجه إلى الجامع، وصلى عليه في الجامع الأموي، وتوجه إلى مقابر الصوفية، ووقف على قبره حتى دفن. ولما انصرف الناس وقف لهم، وشيعهم، وتشكر لهم حتى أخجلني من كثرة إحسان وتوجعه وتفجعه، ولذلك قلت أنا فيه: