وحاول جماعة ممن هو قريب من السلطان إبعاده، وتعبَ كلّ منهم فما بلغه الله قصده ولا أتم له مراده:
إذا أنت أعُطيت السعادةَ لم تُبَل ... ولو نظرت شزراً إليك القبائلَ
ولم يزل على حالهِ إلى أن حشرج، ولم يكن له من ذلك الضّيق مخرج، ووصل الخبرُ إلى دمشق بوفاته في أواخرِ ذي القعدةِ سنة ست وخمسين وسبع مئة.
وكان مليحَ الوجهِ ظريف اللباس، متمكناً من السلطان، أراد القاضي شرف الدين النشو أن يُنزله من عين السلطان بكل طريق فلم يتجه له فيه عمل، فعمل أوراقاً بما على الخاصَ من الدّيون من زمان من تقدمه وذكر فيه جملاً كثيرة باسم القاضي جمال الدين ابن المغربي، من ثمن رصاصٍ وبرّ وحرير وغيره، ودخل وقرأ الأوراق على السلطان، ليعلم أنّ له أموالاً متّسعة يتكسّب فيها ويتّجرُ على السلطان، وأعاد ذكر جمال الدين مرّات، فما زاد السلطانُ على أن قال: هذا القاضي جمالُ الدين، لا تؤخر له شيئاً أطلع الساعة وادفع له جميع مالهِ.
وكان قد توجه مع السلطان إلى الكرك، وأقام عنده يخدم حريمه، وحظاياه وخواصّه من مماليكه وجواريه في أمراضهم.
وكان يدخل إليه كلّ يوم على الشمع قبل كل ذي وظيفة راتبة من أرباب الأقلام، ويسأل عن مزاج السلطان وأحواله وأعراضه في ليلته، ثم في بقية أمراض