كان قد مرض مرضة طول فيها، وأقام قريباً من سنة، ثم إنه حصل له استقاء، ولوالده رحمهما الله تعالى، ومات والده قبله بشهر، وأفاق هو، ثم إنه نقض الاستسقاء عليه ومات.
وكان بعد إمساك تنكز، قد منع من مباشرة كتابة الإنشاء بدمشق، ولما جلس الفخري في القصر الأبلق استخدمه، فكتبت له توقيعاً ارتجالاً، ونسخته:
رسم بالأمر العالي لا زال وليه علياً، وحفيه بكل خير ملياً، وصفيه تقر به السيادة من الدول نجياً، أن يعاد المجلس السامي القضائي العلائي إلى كتابة الإنشاء الشريف بدمشق المحروسة، لأنه من قوم كل منهم كريم. وكاتب ورئيس، إذا ابتدع في المعالي طريقة لم يكن له فيها تابع ولا عاتب، ومدبر لم يرتب الزمان أن ذكر مجدهم المؤثل فيه راتب، نشأت أصولهم في رياض بلاغة ووزارة، وسارت محامدهم في الآفاق فأخجلت الكواكب السيارة، وجرت بسعودهم التي ورثوها من جدودهم الأفك المدارة. وسكن الزمان بجبال حلومهم الراسخة بعد الطيش، واستغنى الملوك بكتبهم عن تجهيز الكتائب إلى كل جيش، وطابت أنفاس السحر برياهم؛ لأن بني مخزوم ريحانة قريش، وضربت أعراقهم حتى اتصلت بخالد بن الوليد، ونظر الناس منهم كل كفو غناه كالذهب عتيد، وباسه كالحديد شديد، وتجمل الدهر منهم بمدبر كان موفقاً في خدمة نور الدين الشهيد، طالما جالسوا الملوك على أسرتهم، وجاودوا الغيوث فعموا الأنام بمبرتهم، ونادموا النجوم فعاطوهم كؤوس مسرتهم، كما أغاث قلمهم ملهوفاً، وكان بمعرته جارماً، وكم حلب في حلب وغيرها رزقاً، وفي غيرها، وما كان حارماً.
فليباشر ذلك مقتدياً بما لأبيه أدام الله تعالى نعمته في هذه الوظيفة من الآثار الحميدة، والمناقب التي أخذت أياديها على المحامد عهوداً أكيدة، والآثار التي لا يطاول