ذلك أجانبه وأباعده، فرسم السلطان بقطع لسانه، وكاد الأمر ينفصل في شانه، ولولا صدر الدين بن الوكيل صدر هذا الأمر إلى الخارج، وألقي النور من النار في مارج، فتلطف له مع السلطان، فرسم بنفيه من القاهرة، وعدت هذه المنقبة لابن الوكيل في الأمثال السائرة.
ولم يزل البكري على حاله إلى أن بكرت عليه مغيرة المنايا، وأصابت حبة قلبه منها بنات الحنايا.
وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وسبعين وست مئة.
وكان له تواليف، ولما استعيرت البسط والقناديل من جامع عمرو بن العاص بمصر لبعض كنائس النصارى في يوم من أعيادهم، ونسب هذا الأمر إلى القاضي كريم الدين الكبير، وفعل ما فعل، طلع البكري إلى السلطان وكلمه في ذلك، وأغلظ له القول، وكاد ذلك يحوز على السلطان لو لم يحل بعض القضاة الحاضرين عليه، وقال: ما قصر الشيخ، كالمستهزئ به، فحينئذ أغلظ السلطان في القول للبكري، فخارت قواه، وضعف ووهن، فازداد تأنيب بعض الحاضرين عليه، فأمر السلطان بقطع لسانه، فجاء الخبر إلى الشيخ صدر الدين، وهو في زاوية السعودي، فركب حماراً وصعد إلى القلعة، فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر به، فلم يملك دموعه أن تساقطت، وفاضت على خده، وبلت لحيته، فاستمهل الشرطة عليه، ثم إنه صعد الإيوان والسلطان جالس فيه، فتقدم إليه بغير إذن وهو باك، فقال له السلطان: