جاد فلا بد له من شهقة رعده ودمعة بكائه، فهي البلاد التي لا يذم للأمطار في جوها مطار، ولا يزم للقطار في بقعتها قطار، ولا ترمد الأنواء فيها عيون النوار، ولا تشيب بالثلوج فيها مفارق الطرق ورؤوس الجبال، ولا تبيت البروق ساهرة لمنع العيون من تعهد الخيال، ولا تفقد فيها حلى النجوم لاندراج الليلة تحت السحب بين اليوم وأمس، ولا يتمسك المساكين في شتائها كما قيل بحبال الشمس. وأين أرض يخمد عجاجها بالبحر العجاج، وتزدحم في ساحاتها أفواج الأمواج من أرض لا تنال السقيا إلا بحرب لأن القطر سهام والضباب عجاج قد انعقد، ولا يعم الغيث بقاعها، لأن السحب لا تراها إلا بسراج من البرق إذا اتقد، فلو خاصم النيل مياه الأرض لقال: عندي قبالة كل عين إصبع، ولو فاخرها لقال: أنت بالجبال أثقل وأنا بالملق أطبع.
والنيل له الآيات الكبر، وفيه العجائب والعبر، منها وجود الوفاء عند عدم الصفاء، وبلوغ الهرم إذا احتد واضطرم، وأمن كل فريق إذا قطع الطريق، وفرح قطان الأوطان إذا كسر والماء كما يقال سلطان، وهو أكرم منتمي، وأشرف منتدى، وأعذب مجتنى، وأعظم مجتدى. إلى غير ذلك من خصائصه وبراءته مع الزيادة من نقائصه، وهو أنه في ذا العلم المبارك جذب البلاد من الجدب، وخلصها بذراعه، وعصمها بخنادقه التي لا تراع من تراعه، وحصنها بسواري الصواري تحت قلوعه وما هي إلا عمد قلاعه.
وراعى الأدب بين أيدينا الشريفة في مطالعتنا الشريفة في كل يوم بخير قاعة في رقاعه، حتى إذا أكمل الستة عشر ذراعاً، وأقبلت سوابق الخيرات سراعاً، وفتح