نظامة، وموادّه من العلم ما خالطت لحمه ولا عظامه، وكانت تقع له في أثناء المحاورات ألفاظ على طريقِ الاتباع، يخلصُ من خصومه فيها بالباع والذراع، وكان خفيفَ الروح لدى المجالس، يخلط جدّ الملائك بمجون الأبالس، وله على بلوغ مآربه قدرةٌ وتمكنٌ، وفي التوصل إلى مقاصده ذلة وتمسكن، قد جبل الله على ذلك طباعه، وألف الناسُ في ذلك لطفه وانطباعه..
ولم يزل على حاله إلى أن خانت الأمينَ منيتُه، ووارت قامتهُ حنيتُه.
وتوفي، رحمه الله تعالى، في بكرةِ الاثنين ثالث جُمادى الآخرة سنة إحدى وستين وسبع مئة، جوا باب الفرج بدمشق، ودفن بالصالحية من يومه.
ومولدُه تقريباً في سنة سبع وتسعين وست مئة.
دخل إلى ديوان الإنشاء بدمشق سنة تسعٍ وعشرين وسبع مئة.
وكان والده في مدةِ مقامهِ بالديار المصرية عند القاضي فخر الدين ناظر الجيش يطلبه فيتوجه في كل سنة إلى زيارةِ والده، ويعُود على البريد بعناية القاضي فخر الدين، وكان فيه كيس ودُعابة، وعنده عشرة ولطف، وإذا كان له أربُ في شيء توصل إليه بكل طريق وناله، وإذا فرغ أربُه شرد وقطع الرسن، وما يعود يلوي على إلفٍ ولا وطن، فكنا - جماعة الديوان - نعرف ذلك منه، وأنه متلونٌ ذو استحالة.
وكنتُ في وقت عزمي على الحج في سنة خمس وخمسين وسبع ومئة قد اتفق معي ومع القاضي ناصر الدين كاتب السر بالشام على أنه يحُجّ معنا، وأعطانا على ذلك