وكان من فرسان الإسلام، وأبطاله الشجعان الأعلام، لا يرام ولا يرامى، ولا يسام في تدبير ولا يسامى، برز في جودة الرمي بالنشاب، واللعب بالرمح على ظهور المطمهة العراب.
وأما عقله ودهاؤه وحزمه وانتخاؤه، فانفرد بافتراع ذروته، وإحكام عروته، يظن بالشيء قبل وقوعه ما آل إليه، ويتخيل المقادير فتنثال عليه، وكان فصيحاً في اللغة المغلية، مجيداً في كتابتها كما تجيده كتاب العربية.
وكان لا يكاد الصيد يخرج من بين يديه سليما، ولا يعبأ هو به أكان ظبياً أو ظليما، لكنه اضطر في الدخول إلى بلاد التتار، والتجاهر بالخروج منها دون الاستتار. ولكنه شعب ما صدع، ودمل ما جذع. فكان في عداد التتار وهو مع الإسلام، وفي ظاهر الأمر بينهم، وهو في الباطن تحت الأعلام. وداراهم إلى أن عادوا، وبدههم بدهاء إلى أن بادوا.
ولم يزل بعد ذلك يتقلب في النيابات، ويشفي غلة سيوفه من التتار في المصافات إلى أن جاءه المصرع القاسر، واختطفه عقبان المنية الكواسر.
وتوفي - رحمه الله تعالى - بحلب وهو نائبها في أواخر جمادى الأولى سنة عشر وسبع مئة، ونقل إلى حماة ودفن في تربتة المشهورة بها.
لما كان في بيت المنصور قلاوون كان مؤاخياً للأمير حسام الدين لاجين لا يكاد أحدهما يصبر عن الآخر إلى أن انعكس ذلك، على ما سيأتي ذكره.
وما زال الأمير سيف الدين قبجق مقدماً في البيت المنصوري، رأساً من رؤوس