وأراد قبجق تحليف الأمراء له، وطلب من شهاب الدين بن غانم ليتولى له ذلك، فعمل نسخة بالتحليف، فلما حضر ليحلف. قال له أمراء الشام: أين كاتب السر، فقالوا: هو بعث هذا.
فقال الطواشي، وكان رأس الميمنة وكبير الأمراء والملك الأوحد بن الزاهر ما نحلف إلا إن حلفنا كاتب السر، فإنه أخبر بالعادة.
قال والدي: فطلبت، وأعطيت نسخة التحليف، فوجدتها مجردة لقبجق.
فقلت: ما جرت بهذا عادة، ثم أخذت القلم وأضفت فيها اسم السلطان ولزوم طاعته، وجماعته، فحلفوا على هذا.
وتنكر لي قبجق، قال: فلما رأى قبجق أن الأمر ما يتم له، لاختلاف الأمراء عليه، أعمل الرأي في الهرب، قال: حكى لي الغرسي الحاجب، قال: جئت إلى قبجق في الليلة التي أراد الركوب فيها للهرب، وأخذت في لومه وعذله، وقلت له: يا خوند بعد الحج إلى بيت الله الحرام وقطع هذا العمر في الإسلام، وأمير علي تروح إلى بلاد العدو؟ فقال: يا حاج، أنا كنت أعتقد أن لك عقلاً، الروح ما يعدلها شيء، وأما الإسلام فأنا مسلم أينما كنت، ولو كنت في قبرس. وأما الحج فكل سنة يحج من الشرق قدر من يحج من عندكم مرات، وأما أمير علي، فأي امرأة بصقت فيها جاء منها أمير علي وأمير إبراهيم وأمير خليل.
ثم قال: هاتوا ما نأكل، فجاؤوا بزبدية خشب فيها لحم يخني، فأخذ منها قطعة وحطها على قباء كنجي زيتي عليه، وشرع يقطع منها ويأكل، ويغني بالتتري، يريني بذلك أنه قد دخل في زي التتار، وعيشهم.