عاداه جماعة من الأكابر وربطوا عليه المخالص والمضائق والمعابر، ولم يظفرهم الله تعالى منه بمقصود.
ولم يزل زرعه قائماً غير محصود، ودفن من أعاديه جمله، وفرق بمكائده من حزبهم شمله، بطرق خفية المسارب، دقيقة المسالك بعيدة المرامي والمضارب.
ترك المال والوطن والولد، ونزع من عنقه مأنة الصبر والجلد، وألقى حمل الاحتمال عن الكبد، ولم يرض أن يكون ثالث الأذلين العير والوتد، وأخذ في النجا بسنة النبي عليه السلام فنجا برأس طمرة ولجام، ودخل بلاد التتار، وخلى من تطلبه كما يقال على برد الديار، فأخذ البريد بسببه في قعقعة لجمه والبر يضيق عن الجيش وحجمه، والقصاد تروح وتغدو ناكصةً على أعقابها، والفداوية تفد عليه ولكن يدوس على رقابها:
إلى كم ترد الرسل عما أتوا له ... كأنهم فيما سمعت ملام
لهم عنك بالبيض الخفاف تفرق ... وحولك بالكتب اللطاف زحام
وكادت خزائن مصر فيه يسكنها الغراب الأبقع، وبلد مصياف تعود وهي خراب بلقع، هذا والسلطان لا يني عزمه، ولا يثنى حزمه، بل البريد في أثر البريد، والقاصد في عقد القاصد فيما يريد، وغلب سعادة مثل الملك الناصر في احترازه وتوقيه