للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وكان وافر الحُرقة لا تعرف له جرمة، للناس فيه عقائد، وهو إلى الخير قائد، وله عمر الطِّبرس المجنونة التي بجانب الفيل ظاهر القاهرة، وهي في مكانها ظاهرة.

أنشدني بعضهم قال: أنشدنا ابن الصَّاحب الماجن الذي كان بالقاهرة لما عمر الطِّبرسُ المجنونة:

ولقد عجبت من الطِّبرس وصحبه ... وعقولهم بعقود مفتونه

عقدوا عقوداً لا تصح لأنهم ... عقدوا لمجنونٍ على مَجنونه

وعزم الأمير الذكور عليها جُملةً، وحباه من الدراهم حملةً، وجعله بها مقيماً، وأظهر هو من فضله في كهفها رقيماً، وكان في تعبير الرؤيا آية، وفي الكلام عليها غاية، لم أسمع بمثل كلامه على المنام إذا فسَّره، ولا أدري ما الذي أدّاه إلى تلك العجائب وجسِّره، وكان غالب الناس يعدّ ذلك من باب الكرامات، لا من باب تأويل المنامات، وبعضهم يقول: نجامة أو كهانة، وبعضهم يقول: قوةٌ في النفس لا مهانة، لأنه ربما قال لصاحب الرؤيا أخباراً ماضية ومستقبله، وأحوالاً كان صاحب الرؤيا منها في غفلة أوبله، حتى يتعجب السامع ويهوله هذا الفيض الهامع، وقام له بدمشق سوق، وأما القاهرة فيكاد يركب فيها بالعَلم والبُوق، إلى أن رُسم بتحويله منها وإبعاده عنها، فأقام بدمشق على حاله مفخَّمة، ورتبةٍ في النفوس مُعظمة، إلى أن أصبح العابر غابراً، والمكاثر في تعظيمه لمصابه مكابراً.

أخبرني الحافظ أبو الفتح اليعمري قال: كنت عنده يوماً. فجاءه إنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>