الصوفي قال: كان ابن عبود إذا عمل المولد الشريف النبوي حضر إليه الأمراء وسائر المماليك والناس، فعمل المولد مرة في سنة من السنين، فحضره قراسنقر، وكان في المولد رجل شريف صالح مغربي يعرف بالمراكشي، فلما مدت الأسمطة قام قراسنقر وخلع سيفه وشمر ومد السماط المختص بالفقراء وقدم بيده الطعام، وشرع يقطع المشوي لهم، ولا يدع أحداً يتولى خدمتهم سواه، فقال المراكشي: من هذا؟ فقالوا له: هذا الأمير شمس الدين قراسنقر، أمير كبير صفته نعته، ومكانته في الدولة كبيرة، فقال: لا إله إلا الله! يعيش سعيداً وينزل به في آخر عمره كائنة، ويخلص منها ويخلص بسببه غيره، ويسلم وما يموت إلا على فراشه.
وكان لا يأخذ من أحد شيئاً إلا ويقضي شغله ويفيده قدر ما أخذ منه مرات مضاعفة، وأين مثله أو من يقارب فعله؟! حكي أن شخصاً من أبناء الأمراء الكبار بحلب كان يحب صبياً اشتهر به وعرف بحبه، فاتفق أن ذلك الصبي غاب، فاتهمه أهله بدمه وشكوه إلى الوالي، فأحضره وقرره بالضرب والتعليق، فلم يصبر وقال: قتلته، فألزم به وأودع الحبس على دمه، وكان بريئاً، فتحيل في إرسال شيء. خدم به قراسنقر، فأمر أن ينظر ولا يعجل عليه، فما مضت مدة حتى جاء كتاب نائب ألبيرة يخبر بأنه قد أنكر على صبي من أبناء النعمة مع جماعة من الفقراء قصدوا الدخول إلى ماردين، وأنه رده إلى حلب ليحقق أمره، فلما جاء إذا به ذلك الصبي بعينه، وظهرت براءة المتهم وخلي سبيله، وغفل عنه قراسنقر مدة لا يذكره إلى أن مات أمير بحلب وخلف نعمة طائلة ولا وارث به، فلما أتاه وكيل بيت المال والديوان يستأذنونه في الحوطة عليه، فقال: هذا مال