ثم إنه ابتلي بالصرع، فكان يصرع في النهار عشر مرات وأكثر وأقل، وبقي على ذلك قريباً من خمسين يوماً حتى تعجب الناس من ذلك، ولم يسمع بمثل أمره، وأغمي عليه مرات، وجزموا بموته، ثم إنه يفيق بعد ذلك إلى أن توفي - رحمه الله، تعالى - في بكرة الأحد ثالث شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وسبع مئة، ودفن بمقابر الصوفية برا باب النصر، ومشى أخوه ملك الأمراء في الجنازة والأمراء والحجاب والقضاة وغيرهم. وكانت جنازة حافلة. وبعد دفنه مد أخوه سماطاً على قبره أكل منه من كان حاضراً من مماليكه وغيرهم، ولم يأكل هو شيئاً، وبات على قبره، وجاء الناس إليه على طبقاتهم ثاني يوم بكره.
وكتبت أنا فيه مرئية قرأها ملك الأمراء أخوه، وهي:
إن حزني على الأمير قماري ... علم الورق شجوها القماري
باح سري فيه بمضمون وجدي ... لا أواري بين الضلوع أواري
سار فوق الأعناق للترب عزاً ... ودموع الورى عليه جواري
ونجوم الدجى لبسن حداداً ... وأرتنا تهتك الأستار
وعيون الغمام تبكي بجفن ... وتبل الثرى بدمع القطار
ولكم لطم الرعود سحاباً ... فتراه مشقق الأطمار
وجبين الصباح شق فأضحى ... شفق الصبح زائد الإحمرار
ونسيم الصبا يهب عليلاً ... بفتور في ساعة الأسحار
لو أفاد الفداء ميتاً سمحنا ... بنفوس جادت بغير اعتذار
وترامت من دونه للمنايا ... لا توان يعوقها في توار
غير أن المنون في الفتك لا تع ... با بسمر القنا وبيض الشفار
كاد لولا أخوه حي يسيل الد ... مع في الخد كالدم الموار