يحب الطرب الدائم، وسماع النغم الملائم. وكان منهوماً في المآكل والمشارب، ملهوفاً في تفرقة طعامه لكل مستخف وسارب، وما رزق في نيابة دمشق سعادة، ولا وافقته المقادير على ما أراده، وأبغضه أهلها، ونفر منه حزنها وسهلها، فأمسك فيها بعد قليل، وخرج منها بعدما رشف كأس الذل ورسف في القيد الثقيل، وذلك في يوم الخميس ثاني عشري جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وسبع مئة.
أنشدني لنفسه الشيخ علاء الدين بن غانم:
أنا راض بحالتي لا مزيد ... وبأن لا أزال عند الحميد
إن في أمر كافل الملك بالشا ... م عظات للحازم المستفيد
جاه بالتقليد أرغون بالأم ... س وولى وعاد بالتقييد
كان أولاً نائباً في صفد بعد الأمير فارس الدين ألبكي، وأقام بها إلى أن توجه في واقعة غازان، وحصلت الكسرة، فحضر هو إلى صفد، وقصد القلعة لإيداع حريمه بها، وانجفل الناس، فلم يفتح له الباب، وسبه جماعة من مستخدمي القلعة، وآلموه بالكلام، فقال: أنا ما أدخل، ولكن افتحوا للحريم، فلم يسمعوا له، وبقيت هذه النكاية في خاطره.
ولما توجه إلى مصر، طلب العودة إلى نيابة صفد، فعاد إليها، وقتل أولئك الذين جاهروه بالأذى ومنعوا حريمه بالمقارع، ونفاهم منها. ثم إنه توجه إلى مصر، وحضر بدله الأمير سيف الدين بتخاص، وأقام بمصر مدة، ثم إنه رمى إقطاعه وأقام بالقدس مدة يأكل من ريع أملاكه وهو بطال. ولم يزل إلى أن حضر السلطان من الكرك إلى دمشق، فحضر إليه وقال له: أي من ملك غزة ملك مصر، فقال له السلطان: أنت لها. وجهزه إلى غزة، فملكها، وأقام بها، وكان الأمر كما قال.