ليكون الكلام في يوم الاثنين مع الأمير سيف الدين كراي. وخرج الناس بكرة النهار، ومعهم المصحف الكريم والأثر النبوي والصناجق التي على المنبر، فلما كان النائب واقفاً في سوق الخيل، ورأى ذلك السواد الأعظم من بعد والأطفال وغيرهم، فقال: ما هذا؟! فقالوا له: أرباب الأوقاف والأملاك وأرباب الرواتب على الجامع جاؤوا بسبب هذا المقرر عليهم، فقال: ردوهم، وقل لهم: الشغل انقضى، فجاء الأمير سيف الدين قطلوبك بن الجاشنكير الحاجب، وهو يعرف خلق النائب، فقال لهم: بسم الله، ارجعوا، فقد انقضى شغلكم، فقالوا له: المصحف ما يرد، فقال: ارجعوا وإلا ما هو جيد لكم، فأبوا، فشال العصا بيده، يشير إلى أنه يضرب بها، وكان المصحف الكريم - فيما أظن - على رأس الخطيب، فهرول به، فوقع المصحف الكريم إلى الأرض، فلما رآه الناس قد وقع تناولوه بالحجارة، فرده الحاجب إلى النائب والحجارة في قفاه، ووقع بعضها قدام كراي، فاشتد غضبه ورد إلى القصر، وأخرق بقاضي القضاة ابن صصرى، وقال: كل هذا عملك، فأنكر ذلك، وحلف له، فسبه، وأخرق به وبالخطيب، فقال له الشيخ نجم الدين التونسي: اسكت، كفرت. فرماه إلى الأرض، وضربه ضرباً مؤلماً كثيراً، ورسم عليهم، ثم أطلقهم بضمان وكفلاء.
ولم يكن بعد ذلك إلا دون العشرة أيام حتى حضر الأمير سيف الدين أرغون الدوادار من مصر يوم الأربعاء، وأحضر له تشريفاً عظيماً، فلبسه ثاني يوم بكرة، وعمل الموكب، وحضر دار العدل، ومد السماط، فأخرج أرغون كتاباً عظيماً مطلقاً إلى الأمراء بدمشق بإمساك كراي، فأمسك في التاريخ المذكور، وقيد في الحال، وجهز إلى الكرك صحبة الأمير سيف الدين اغرلو العادلي والأمير ركن الدين بيبرس المجنون، وكان قد أمسك الصاحب عز الدين بن القلانسي، ورسم عليه.