وتوفي - رحمه الله تعالى - في سنة تسع وأربعين وسبع مئة بالقاهرة، في طاعون مصر، تعجيزاً من الله تعالى لما يعرفه، وينفقه من حواصل علومه ويصرفه.
كان هذا الشيخ شمس الدين، قد برع في علوم الحكمة، وتفرد بإتقان الرياضي، فإنه كان إماماً في الهندسة والحساب والهيئة، وله في ذلك تصانيف وأوضاع مفيدة، قرأت عليه قطعة جيدة من كتاب إقليدس، وكان يحل لي ما أقرأه عليه بلا كلفة، كأنه ممثل بين عينيه، فإذا ابتدأت في الشكل شرع هو يسرد باقي الكلام سرداً، وأخذ الميل، ووضع الشكل، وحروفه في الرمل على التخت، وعبر عنه بعبارة جزلة فصيحة بينة واضحة، كأنه ما يعرف شيئاً غير ذلك. وقرأت عليه مقدمة في وضع الأوفاق، فشرحها لي أحسن شرح، وقرأت عليه أول " الإشارات "، فكان يحل شرحه نصير الدين الطوسي بأجل عبارة، وأجلى إشارة، وما سألته عن شيء في وقت من الأوقات عما يتعلق بعلوم الحكمة من المنطق والطبيعي والرياضي والإلهي إلا وأجاب بأحسن جواب، كأنه كان في بارحته يطالع في تلك المسألة طول الليل.
وقرأت عليه " رسالة الاستبصار فيما يدرك بالأبصار "، وهو كتاب صغير في علم المناظر، تصنيف الشيخ شهاب الدين القرافي الأصولي المالكي، فحل كلامه، وواخذه في أشياء.
وأما الطب فإنه كان فيه إمام عصره، وغالب طبه بخواص ومفردات يأتي بها إلى المريض، وما يعرفها أحد، لأنه يغير كيفيتها وصورتها، حتى لا تعلم، وله إصابات غريبة في علاجه.