حضر هذا فتح الدين إلى صفد قاضي القضاة، بعدما عزل عنها القاضي شرف الدين محمد النهاوندي، وأقام بها قليلاً، وعاد إلى الديار المصرية. وكان كثير التخيل والتوهم، فتوهم شيئاً في قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، فحصلت الوحشة بينهما، فأعرض عنه بعد الإقبال عليه، وجفاه، وأعده، وألجأته الضرورة والحاجة إلى قيام الصورة، حتى ناب القاضي عز الدين عبد العزيز بن أحمد الأشمومي بمدينة المحلة. ثم إنه حصلت بينهما نفرة من خياله، فعاد إلى القاهرة، وأقام بها مدة لطيفة، وتوفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور.
وله نوادر طريفة، منها: قال كمال الدين الأدفوي - رحمه الله تعالى -: حكى لي فتح الدين قال: كنت أجلس دائماً فوق الصدر سليمان المالكي، فجاء مرةً لمجلس قاضي القضاة ابن مخلوف المالكي، فجلس فوقي، فقلت لقاضي القضاة: قال ابن شاس: إن مالكاً - رضي الله عنه - كره طول اللحية جداً، - قوله " جداً " وصف للكراهة أو للحية - وكان الصدر طويل اللحية، فقام من المجلس. وقلت له مرة: من أي بلد أنت؟ فقال: من شبرا مريق، فقلت له: بلدة مليحة هي! فقال: ما فيها أكثر من الشعير، فقلت له: لأجل ذلك أخذت في وجهك مخلاة.
وطلبوه مرة ليرسلوه إلى العراق، فجلس معي، يشكو إلي، فقلت: يا صدر الدين! ما أوقعك في هذه الحرية إلا هذه الذقن، فتوجه الصدر رسولاً، ثم حضر، فقال له فتح الدين: أي شيء غنمت في هذه السفرة؟ قال: كبرت لحيتي، قال: هذه الغنيمة الباردة.