فقام عليه شيخنا المجد وابن الزملكاني وغيرهما، فطلبه قاضي القضاة ابن صصرى بحضورهم، وراجعوه وباحثوه فلم ينته، فمنعه الحاكم من الإقراء بذلك، وأمره بموافقة الجمهور، وذلك في عشري شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وسبع مئة، فتألم وامتنع من الإقراء جملة. ثم إنه استخار الله تعالى في الإقراء بالجامع، وجلس للإفادة، وازدحم عليه المقرئون وأخذوا عنه، وأقرأ العربية.
قال: وذهنه متوسط لا بأس به، ثم ولي بلا طلب مشيخة التربة الصالحية بعد مجد الدين التونسي بحكم أنه أقرأ من بدمشق في زمانه، انتهى.
قلت: وكان بهي المحيا، يطوي السكون طيا، ظاهر الوقار، بادي التكبر على الناس والاحتقار، نظيف اللباس، طيب الرائحة في الانطلاق والاحتباس، ظريف العمامه، كأنه من بياض ثيابه حمامه، له قعدد في جلوسه، وتسدد في ناموسه، وكذا إذا مشى لا يلتفت ولو زحمه الليث والرشا. وإذا كان في حالة تصدره للقراءة يتلبس بالتوفر على التوقر والأناة، لا يتنحم ولا يتلفت لا يعير بصره وسمعه غير من يقرأ عليه إن عطس أو شمت، مشغولاً بمن قد أمه قدامه، مجموع الحواس على القارئ الذي جعله إمامه أمامه:
ويبقى على مر الحوادث صبره ... ويبدو كما يبدو الفرند على الصقل
ولم يزل على حاله إلى مات به شاطبي عصره، وأنزل إلى قعر لحد من علو مجده في قصره.
وتوفي - رحمه الله تعالى - في خامس ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.