يوليه كتابة سر دمشق، فكتب فيه إلى السلطان وشكره وبالغ في أمره، فأجابه الملك الناصر محمد إلى ذلك، وجهز توقيعه بكتابة السر بدمشق في سنة ست وثلاثين وسبع مئة ثاني شعبان المكرم، وكان قد باشرها في هذا اليوم قبل وصول توقيعه الشريف، ووصل التوقيع والتشريف من مصر في حادي عشري الشهر المذكور. وتولاها عوضاً عن القاضي جمال الدين عبد الله بن الأثير، فوليها وعملها على القالب الجائر. وخضع الناس له، وتمكن من قلب الأمير سيف تنكز، وكان يعجبه شكله وكتابته وتأنيه. إلى أن لم يكن عنده في دمشق غيره، وسلم قياده إليه، وتوجه معه إلى مصر، وشكره للسلطان، وبالغ في وصفه، فعظمه السلطان وألبسه تشريفاً بطرحة ولم يكن ذلك لغيره، وحضر بريد من الشام، فدخل به القاضي شهاب الدين بن فضل الله ليقرأه، فطلب السلطان علم الدين هذا، وقرأه عليه، فما حمل القاضي شهاب الدين ذلك، وجرى له مع السلطان ما جرى، وقدم الدواة الأمير سيف الدين تنكز لعلم الدين هذا بين يدي السلطان، فزادت عظمته عند الناس.
ولم يزل كذلك وهو في أوج سعده إلى أن تغير عليه في سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة، فقبض عليه وضربه بالعصي ضرباً مبرحاً، واحتاط على موجوده، واعتقله مدة، ثم أفرج عنه وأمر أنه لا يخرج من داره، ولا يجتمع بأحد، فسكن عند حمام السلاري، وكان ليله ونهاره في تربة الكاملية المجاورة للجامع الأموي، وأقام على ذلك