قال: نعم. قال: ما هذه الحالة؟ فشكا بطالة وقلة. فقال له: اصعد إلى فوق، وأجلسه. ولما انقضى ذلك الشغل وخف المجلس ولم يبق إلا من هو به خاص أخرج كيس النفقة ونفضه فنزل منه ما يقارب المئة. فقال: خذ هذه ارتفق بها في هذا الوقت وعد إذا فرغت، ولما كان في ... رسم له السلطان بالعود إلى دمشق قاضي القضاة كما كان أولاً، فحضر إليها وصحبه، وصحب أولاده من المجلدات النظيفة النفيسة ما يزيد على خمسة آلاف مجلد، وفرح الناس به. فأقام قليلاً وتعلل، وأصابه فالج إلى أن توفي - رحمه الله تعالى - في التاريخ المذكور، وتأسف الناس عليه لما كان فيه من الحلم والمكارم وعدم الشر وعدم المجازاة لمن أساء إليه بالإحسان.
وكان ينتسب إلى أبي دلف العجلي وكرمه بصدق هذه الدعوى.
وكان فصيحاً بليغاً في وقت البحث والجدل، منطقياً إلا إذا علا صهوة المنبر فإنه ليس ذلك، لغلبة الحياء.
وكان مليح الصورة، حلو العبارة، كبير الذقن رسلها، موطأ الأكناف، سمحاً، جواداً حليماً، جم الفضائل، حاد الذهن، يراعي قواعد البحث. وكان يحب الأدب ويحاضر به، وله فيه ذوق كثير يستحضر نكته، ويكتب خطاً جيداً حسناً. وصنف في المعاني والبيان مصنفاً وسماه " تلخيص المفتاح " وشرحه وسماه " الإيضاح "، وقرأ عليه جماعة بمصر والشام، وكان يعظم الأرجاني الشاعر، يرى أنه من مفاخر العجم، واختار شعره وسماه " الشذر المرجاني من شعر الأرجاني ".