ودخل الديار المصرية في سنة سبعين، وخرج منها، ودخل البلاد الرومية وأقام بها إحدى عشرة سنة، منها خمسة بقونية، وخمسة بسيواس، وسنة بقيصرية. ودرس بقونية وسيواس، واجتمع بالقاضي سراج الدين الأرموي وأكرمه وأخذ عنه المعقول.
وخرج من الروم سنة خمس وثمانين وست مئة، وقدم دمشق وأقام بها واستوطنها وعقد حلقة الإشغال بالجامع الأموي وقرأ عليه الأعيان وفضلاء الناس، ودرس في دمشق بالروحانية والدولعية والأتابكية والظاهرية. وكان مقصوداً بالاستفتاء، ويكتب كثيراً في الفتاوى. وكان فيه خير وديانة وبر للفقراء يفطر في شهر رمضان عشرة من الفقراء الضعفاء.
وصنف في أصول الدين كتاب " الفائق "، وكان يقوم في الليل فيتوضأ ويلبس أفخر ثيابه، وعلى ما قيل حتى الخف والمهماز، ويصلي ورده في جوف الليل، وكان يحفظ ربع القرآن لا غير. قيل عنه إنه قرأ يوماً في الدرس:" المص "، مصدر يمص مصاً، ولم ينطق بها حروفاً مقطعة كما هو لفظ التلاوة.
وممن تخرج عليه الشيخ صدر الدين بن الوكيل وغيره، وأظن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني أيضاً، وكان في بعض مدارسه ناظر لا ينصفه، فقال: هذه المدرسة يعمل فيها بآيتين من كتاب الله تعالى، المدرس:" ليس لك من الأمر شيء "، والناظر:" لا يسأل عما يفعل ".
ولما عقد بعض المجالس للعلامة تقي الدين بن تيمية عين صفي الدين الهندي