ودأب في الأصول فما للآمدي في مداه خطوه، ولا لابن خطيب الري ري إذا رقا من المنبر على ذروه.
وأكب على العربية حتى أطار ابن عصفور عن هذا الفن، وغدا الزجاجي يكسر قواريره على ضنه بما ظن. وحضر مآدب الأدب حتى افتقر صاحب الذخيرة وجعل صاحب " القلائد " مع الحصيري على حصيره. وكتب فروض المهارق، وأخمل بخطه الخمائل، وقد أحدقت بها زهر الحدائق. ونظم الشعر الذي ترقرق وانسجم. ولام الناس صاحب " لامية العرب " و" لامية العجم ":
لفظ كأن معاني السكر تسكنه ... فمن تحفظ بيتاً منه لم يفق
إذا ترنم شاد لليراع به ... لاقى المنايا بلا خوف ولا حرق
وأما الدين فإنه تمسك منه بالحبل المتين، وأما الورع فكان معلقاً منه في الوتين، له في ذلك عجائب، وأخبار تحملها الصبا والجنائب، قدم على شيخنا العلامة شيخ الإسلام وهو مقيم بالشام وعاد إلى القاهرة ثم زاره ثانياً فأمسكه إمساك غريم ألد، وألزمه بنيابته فسلك فيها الطريق الأسد بالأمر الأشد.
ولم يكن يزل على حاله إلى أن جر أبو الفتح إلى لحده، وطوت شقة الأيام منه نسيج وحده.
وتوفي - رحمه الله تعالى - ليلة السبت ثاني عشر ذي القعدة سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
وكان قد نزل بالمدارس بالقاهرة وتولى الإعادة للفقهاء بالمشهد الحسيني والمدرسة السيفية في حدود سنة عشرين وسبع مئة. ودرس بالمدرسة السيفية المذكورة سنة أربع وعشرين وسبع مئة نيابة عن جده أبي زكريا يحيى، واستقر التدريس بها باسمه،