للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وحكى لي شهاب الدين أحمد بن مليح الإسكندري بالإسكندرية، قال: نويت زيارة الشيخ محمد في نفسي. وقلت: لعلي أصادف عنده هيطلية بسمن وعسل آكل منها. فجاء كتاب وكيل الخاص باستعمال حوائج السلطان، فعاقني عما عزمت عليه، فلم يمض غير يومين أو ثلاثة وإذا أنا برجل قد أتاني من عند الشيخ، وقال: الشيخ يسلم عليك وقد بعث لك هذا السمن والعسل ليعمل لك هيطلية وتأكل بهما، ولو كانت تحمل إليك لبعث بها.

قال: وقد زعم قوم أن هذه الكرامات إنما كانت بصناعة مقررة بينه وبين قاضي فوه فإنهما كانا روحين في جسد، وكان قد تحصن بالشيخ، فلا يقدر قاضي القضاة ولا أحد على عزله، وطال ذيله، وأكثر من تسجيل البلاد والتجارة، والولاة ترعاه إما لاعتقاد في الشيخ أو لرجاء العناية من الشيخ بهم عند الدولة. فنمت أمواله، وصلحت حاله، واتسعت دائرة سعادته، ولم يبق له دأب إلا يلقى من يصل من ذوي الأقدار قاصداً زيارة الشيخ، لأن فوه طريق منية مرشد، فإذا وصل الزائر أنزله وأضافه وشرع في محادثته ومحادثة من معه حتى يقف على ما في خواطرهم وما يقترحونه، ثم إنه يبعث إلى الشيخ بذلك على دواب مركزة في الطريق بينهما ويمده من الأصناف بما لعله لا يكون عنده، ويعطيه حلية كل رجل من المذكورين واسمه.

قلت: هذا فيه بعد إلى الغاية، وهذا يريد أموالاً كثيرة ينفقها القاضي أولاً على الزائرين، ثم إنه يجهز إلى الشيخ بما يطعم به زواره ثانياً. ولعل الذي كان يشتهي المأكول أو المشروب يشتهيه بعد فراق القاضي في نفسه، فمن أين يعلم الشيخ بذلك أيضاً؟ فما كل من قصد الشيخ يعمل طريقه على فوه ويجتمع بالقاضي.

<<  <  ج: ص:  >  >>