باطنه وسرّه. فمشت الأمور وأصلح الجمهور، وساس فأحسن السياسة. وبالغ في العظمة والرياسة، وكأن الأمر مردود الى أمره، وأمره ليس له ردٌ.
وكان في وقت يوقّع على القصص ويتجرّع الموقعون وغيرهم من ذلك الغُصَص، ودام على ذلك مدة مديدة. ثم بطل ذلك ولا فُلَّ حدّه ولا نقص عديده، الى أن أولع به حمزة التركماني فخرّب دياره، ونقّص عياره، ونفض غباره، وكسف بدره التّمام، ونكّس قامة غصنه حتى ناح عليه الحمام، فتغيّر عليه أستاذه تغيّراً شديداً، وحوّل عنه رأياً كان فيه رشيداً، فضربه بين يديه بالسّياط، ولم يعمل فيه بالاحتياط، وأخذ منه جُملة من الدّنانير، ورُدّ بعد تلك المنعة والقوة يتجشّأ بين التنانير. فأصبح تحت الثّرى بعد أن كان على الثّريا، وولاه الزمان قفاه بعدما كان قابله بالمحيّا. فذلّ من بعد تلك العزة، وسلبه الدهر ما قلّده وبزّه، وراح بعد علو المرتبة، وهو من ذوي المرتبة:
وكم حالم سرّه حِلمُهُ ... وأدركه الروع لمّا انتبه
ولم يزل على الحال المذكور الى أن استجنّ ضريحه، وأسمعه الفناء صريخه، وعلّم منه ضريحه.