عليه، وكان يركب معه في غير المواكب ويُسايره ويحادثه. ولم نرَ هذا الحال حصل لغيره، لأنه ما غضب على أحد قطّ ورضي عنه، وكان هذا الحال في حق الدّوادار مضرّاً له، لأن السلطان لما أمسك الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى شمل غضبه كلَّ من كان من جهته، واستخدم كل من كان بطالاً، وقد غضب عليه فناله بهذا أذًى، وأراد السلطان أن يعطيه إمرة عشرة فلم يقبل خوفاً من أستاذه.
وكان يتوجه في كل سنة مرتين أو ثلاثاً على قدر ما يتفق له الى باب السلطان في البريد، فيعامله السلطان بالإكرام الزائد والتعظيم.
وكان بيده في حلقة الشام إقطاع يعمل أربعين ألف درهم، وأربعة إقطاعات أو خمسة جياد بأيدي أولاده ومماليكه، وكان له على أستاذه مرتب خبز ولحم وعليق، ويعطيه وينعم عليه في كل قليل، فأقام على هذا الحال من سنة اثنتي عشرة وسبع مئة الى سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، وكل ماله في عظمة ووجاهة، وكان إذا توجّه الى مصر وعاد يتعذر على الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري وأمثاله السّلام عليه في بيته، بل يقفون له في الطريق إذا توجّه الى دار السعادة ويسلّمون عليه.
وعلى الجُملة ما رأيت أنا ولا غيري عظمةً نالها هذا ناصر الدين في دواداريته لا من قبله ولا من بعده، وبعد هذا كنت أراه يشتري اللحم ويربطه خلفه على الفرس ويتوجّه به الى بيته، فما كنت أقضّي العجب من أمره، سبحان من بيده تصاريف الأمور لا إله إلا هو، وكنتُ أرى ذلك لأنه غير بارٍ بأبيه، وكان يُؤثر إيحاش الأكابر ويشتهي إذلالَهم.