للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيت التحفَه جدرانه، وتأنس به جردانه، فنزل به ذباب السيف، وعمل من دمه وليمة لذباب الصيف، وأصبح ورأسه قد بان عن جسده وطاح، ودقيق ابن قُرصة تذروه الرياح، وكان مسكيناً يتحلّب أفاويق الندى، ويحتلب ببلاغته أهل زمانٍ لا يجدون على نار المكارم هدىً، إلا من يرتاح للامتياز في عدة الامتياح أو تهزّه نغمة العافين أو مدام المدّاح، وقليلٌ ما هم، وقد بعد حماهم، وكان المسكين يرمق عيشه على بَرَص، ويمسي كالفأرة في قَرض الأعراض بالقَرَض.

وكانت قتلته يوم الجمعة رابع عشر شهر الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة.

وأنشدني من لفظه لنفسه بدر الدين حسن بن علي الغزّي:

مات ابنُ قُرْصةَ بعد طول تعرُّضٍ ... للموت مِيْتةَ شرِّ كَلْب نابحِ

ما زال يشحذ مُديةَ الهَجو التي ... طلعت عليه طلوع سعد الذابحِ

حتى فَرى وَدْجَيه عبدٌ صالح ... عَقَرَ النطيحة عَقْرَ ناقةٍ صالحِ

فليحْيَ قاتله ولا شلّتْ يدٌ ... كفَتِ المؤونة كفَّ كلّ جرائحي

وقلت أنا فيه:

دع الهجو واقنع بما نلته ... من الرزق لو كان دون الطفيفِ

فقَرْضُ ابن قُرصة عمّ الورى ... وراعَ الدنيّ بهجْو الشريفِ

ومات ابنُ قَرُصة من جوعه ... وشهوته عضّة في رغيف

<<  <  ج: ص:  >  >>