كان عريقاً في الرئاسة، غريقاً في الحشمة والنفاسة، كريم الودّ والإخاء، كثير البذل لأصحابه والسخاء، وكان بابه حرمَ اللاجي، وقبلة الراجي، لا يخبأ جاهه عن قاصده، ولا ماله عن وافده. كثير الاتّضاع كأن من يجالسه أخوه من الرضاع، ألطف من النسيم إذا سرى، وأرأف بالضعيف من والديه إذا عاينا به أمراً منكراً. وكان به للملك الناصري جمال، وهو لمن استجار به ثِمال، بل كان في ذلك الأفق بدر كماله، وزينة موكبه في يمينه وشماله، وصاحب رأيه الذي كم أسفر وجهه عن جماله. وحكّمه الملك الناصر في الديار المصرية فحكم بالعدل، وأفاض نِيل نَيْله بالجود والبَذل، وزان دولته بحسن سيرته، وصفاء باطنه وطُهر سريرته:
يتكفّل الأيتامَ عن آبائهم ... حتى ودِدْنا أننا أيتامُ
يتجنّب الآثامَ ثم يخافُها ... فكأنما حسناته آثامُ
قد شرّد الإعدام عن أوطانه ... بالبذل حتى استُطرفَ الإعدامُ
ولم يزل يتنقل في الممالك تنقل البدور، ويتوقّل في هضبات المعالي توقّل العقبان والنسور، الى أن اختار المقام بدمشق فأجيب، وسكن ما بقلبها من الوجيب، وكان في حِماها للناس رحمة، ولكل من نزلت به بليّة نعمة، يمدّ عليهم ظل شفقته، وينشر لهم جناح رحمته، فما يبالون بمن عدل أو جار، ولا يحفلون بمن بعُد أو زار، حتى نزل الأمر الخطير بابن الخطير، ورأى الناسُ بالبكاء لموته كيف يكون اليوم المطير.