وكان له وَقفٌ يُحصّل منه في الصيف ما يكون له مؤونة في الشتاء، وكان في غالب السنين يصيّف في الشام ويُشتّي في مصر، إلا أنه كان متمزّقاً إلى الغاية، متخرّقاً في نهاية، يكابد شدائد الفقر، ويصبر من القلة على ما لها في حاله من العَقر، قد زَوَته الحشيشة في حُشّ، وروَتْه من الطيش في طشٍّ.
ولم يزل على حاله إلى أن جاء الطاعون فغسله في جملة ذلك الماعون، وذلك في سنة تسع وأربعين وسبع مئة بدمشق في مستهل شهر رجب، وكان له من العمر تقريباً أربعون سنة.
أنشدني من لفظه لنفسه:
ناظرُ الجامع الكب ... ير ظَلومٌ إذا قَدَرْ
ابْلُهُ ربِّ بالعمى ... وأرِحْه من النظرْ
وأنشدني من لفظه لنفسه:
قلتُ له إذْ بَدا وطلعتُه ... قد أشرقَت فوق قامةٍ تامّهْ
هبْ لي مناماً فقال كيف وقد ... رأيت شمس الضحى على قامهْ
قلت: هو مأخوذ من قول شمس الدين التلمساني:
بدا وجهه من فوق أسمر قَدّه ... وقد لاح من سود الذوائبِ في جُنحِ
فقلتُ عجيبٌ كيف لا يذهب الدُّجا ... وقد طلعت شمسُ النهار على رُمْحِ