وكتب الأقلام السبعة وجوّدها، وأقلامه الرطبة كلها لم يلحقه فيها أحد. وممن كتب عليه: الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، والشيخ بدر الدين بن المحدّث، والقاضي علاء الدين بن الآمدي، وجماعة آخرون.
وكتب هو شيئاً كثيراً الى الغاية من الدروج والقطع والطراز الذي في الطّارمة، والذي على باب دار السعادة، والذي في الظاهرية الجوانية والذي على باب الأمير سيف الدين بهادر آص، كل ذلك بخط يده، وقد تغير طراز دار السعادة مرات وأعاد عليه الدهانون، وأصوله باقية ومعالم حسنها بادية. وكان يكتب على الطاسات وعلى ما يُنقش، ويطعّم كل سطر بدرهم ويكتب في اليوم جملة من ذلك مستكثرة.
وكان يعمل بالفأس في بستانه ويعمّر باللبن وغيره، ويكتب تلك الكتابة المليحة الرطبة، ورزق الحظوة في خطه واشتهر، وكان مأموناً على أولاد الناس، عفيفاً خيّراً ديّناً.
وقلت أنا فيه:
يشهد لابن البُصيص خط ... يسلب ممن يراه عقلهْ
بأنه النجم في عُلاه ... وما رأى مثله ابن مقله
وله شعر في الحقيقة على رأي التصوف، وكان قليل البضاعة من العربية. ومن شعره ما نقلته من خطه على ما تراه من اللحن الفاحش وفساد المعنى:
ألا كل شيء ما خلا الله نافد ... وكل وجود قد بدا فهو بائدُ
تفكر في هذا الوجود ووضعه ... وفي حركات الفلك وهي سوامد
وفي حركات النيّرات بأفقها ... وفي كل جرم لا يُرى متباعد