ولم يزل يذهب ويحور، ويظلم نفسه وغيره ويجور، ويفوت كلَّ زرية ودمه كما يقال يفور، حتى وقع بأعماله، وقطع الدهر بخيبة آماله:
وساقه البغي الى صرعة ... للحين لم تخطر على باله
وكان المذكور شيطاناً من الشيطاين، وإبليساً من الأباليس، يسفك الدماء، ولا يقف عند خطة شرعٍ ولا غيره.
أول ما اتصل بخدمة الشيخ شمس الدين محمد بن أبي طالب شيخ الربوة المقدّم ذكره في المحمدين، وكان الشيخ شمس الدين شيخ الخانقاه التي بحطين، فاتفق أن جاء إليهم فقير بات في الخانقاه، فرأى نجيم هذا معه ذهبا، فلما كان في الليل نبهه نجيم، وقال له: قم فقد طلع الصباح، فقام فوجد الليل باقياً، فقال: لا عليك أنا أخفرك حتى تطلع من هذا الوادي، فخرج به وعرّج عن الطريق وذبحه وأخذ ما معه. وجرى لشيخه مع كراي نائب صفد ما ذكرته في ترجمته.
وهرب نجيم الى الديار المصرية، ودخل الى الصعيد واتصل ببعض الولاة وجرت له هناك واقعة أخرى من هذا النمط حدثني بها الشيخ شمس الدين بن الأكفاني وأُنسيت أنا كيفيتها.
ثم إنه حضر بعد ذلك الى الشام فوجد شيخه الشيخ شمس الدين شيخ الربوة بدمشق، وأراد أن يعود الى صحبته، فأبعده ولم يقرّبه، ولا أراه وجهاً لما تقدم منه.
وحدثني الشيخ شمس الدين بن أبي طالب قال: كنت أتحقق جرأته وإقدامه وكنت أخافه على نفسيه وأحذره، فما أنام في مقام الربوة حتى أتحصن وأحكم غلق الأبواب، فأكون في بعض الليالي نائماً، فما أشعر به إلا وقد أنبهني من نومي بإزعاج وبيده سكين ويقول لي: يا أفخاذ الغنمة، أو يا أفخاذ النعجة، إيش أعمل بك الساعة؟ فأقول له: اتق الله وخفْه، وأترفق له وأتلطف حتى يدعني ويمضي، ومن رأى الربوة وحصانتها تعجب من فعل المذكور.