الإمامة في زمانه، وتفرد برئاسة العلم في أوانه. وكان بحراً من بحور العلم الزخّارة، وحبراً من أحباره، الذين توقدوا للهدى مثل الكواكب السيارة، تستحي ذُكاء من ذكائه، وتفيض علومه حتى يأخذ الغمام منها ملء زكائه، مكباً على الطلب لا يفتر ولا يني ولا يقول السأم لنفسه طالبي بالتي هي أحسن ولا يني قد جانب ملة الملل، وتحقق أن الإخلال بذلك من الفساد والخلل، هذا مع الصون والرزانة والتواضع الذي زاده رفعة وزانه، والوقار الذي خفّت الجبال أن تكون وزانَه، والحلم الذي هو زينة العلم، وطراز الحرب والسلم، والمحاسن التي ما محا سناها ضوء صباح ولا حوتها الوجوه الصِّباح:
تراه إذا ما زرته متواضعا ... جليلاً على حشد الندي وحفله
وتعرف منه الفضل من قبل نطقه ... كما يُعرف الهندي من قبل سلّه
وتبصر منه أمةً وهو واحد ... وما زاد في ذي عدة مثل نبله
إذا كان في أفق وأظلم حادث ... سرى خائف العشواء في ضوء عقله
ولم يزل على حاله بحماة الى أن ترك القضاء، وذهب بصره فشكر القدر والقضاء. ثم إن البارزي أضمره الضريح وأخفاه، واستكمل الأجل واستوفاه.
وتوفي رحمه الله تعالى في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة.