فكم للنفوس من أوبة بعد عظيم الحوبة، ويغسل درن الذنوب بذكر الممات فكم لصخر القساوة به من لين وذوبة. وإذا وعظ فلا يعظ إلا نفسه التي يمحضها النصيحة، وإذا ذكّر فليذكر في ذلك الجمع انفراده إذا سكن ضريحه، فإن ذلك أوقعُ في نفس السامع، وأجلبُ لسحّ الجفن الهامي بالدمع الهامع، وليأخذ لذلك طيبه العاطر وزينته، ويرقى درج منبره بوقاره الذي لا تُزعزع الرياح سكينته، وليبلّغ السامعين بإفهام واقتصاد، ويذكّرهم بتقوى الله تعالى والموت والمَعاد.
وليأت بأدب الخطيب على ما يعلمه. ويحذر من تقعير اللفظ الذي يكاد أن يُعربه فيُعجمه، وتقوى الله تعالى جُنّة واقية، وجنة راقية، وسنّة باقية، فليلبس حلّة شعارها ويُعلي منازه منارها، والله يليّن لمقاله جامد القلوب، ويمنح بعظاته ما سود الصحف من الذنوب.
والخط الكريم أعلاه، حجة بمقتضاه، والله الموفق بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى.
وكان القاضي محيي الدين بن فضل الله لما تولى كتابة السر بعد شمس الدين بن الشهاب محمود قد رتّب جمال الدين المذكور في ديوان الإنشاء كاتب الغيبة على الموقعين، وكان يحضر الديوان بكرةً وعصراً، ويكتب اسم من تغيّب، ويؤخد من كل من غاب من جامكيته ما يخص كل يوم، ولازم الديوان مدة فتاقت نفسه ليكون من