الحال، وجهّزه تحت الترسيم الى السلطان الملك الناصر، فدخل إليه، وعمل ذلك العمل أيضاً، فطار عقل السلطان به، وقال له: أنا أعمل الذهب أيضاً.
وبقي عند السلطان ينام في المرقد، ويركب من خيل النّوبة، وينزل الى القاهرة، وأوهم الناس، وأخذ منهم الذهب، ومن بكتمر الساقي ومن الخدّام شيئاً كثيراً من الذهب، وصار يقول لهم: كل من أحضر لي خمسة مئة دينار أخذها خمسة آلاف، فطمع الناس، وأعطوه ذهباً كثيراً، وهو يأخذ الجميع، ويدكه في الفحم، ويحرّك به البوتقة، ويفرّغ ذلك ذهباً أحمر لا مرية فيه:
أعيا الفلاسفة الماضين في الحقب ... أن يصنعوا ذهباً إلا من الذهب
أو يصنعوا فضة بيضاء خالصة ... إلا من الفضة المعروفة النّسب
وبلغ في أمره أن كان السلطان يطلب له الخمر من الأقباط، ويشربه قدّامه، ويقول له: يا خوند ما أقدر على الزئبق ورائحته إلا بهذا، وكان يحتمل له السلطان هذا مع كراهيته في الخمر، وشرع يدافعه من وقت الى وقت، الى أن قال له: هذا يريد حشيشة ما رأيتها إلا في جبال الكرك، فجهزه تحت الترسيم على خيل البريد الى الكرك، ولو قدر هناك على الهروب هرب. لكن الترسيم الذي عليه، احتفظوا به، وأحضروه.
ثم إنه هرب من القاهرة، وتطلبه السلطان، وأمسك أناساً ضمنوه، وقتلهم بالمقارع، وبالغ في طلبه الى أن أمسك في الصعيد، وأحضر الى السلطان في أواخر الحجة سنة إحدى وثلاثين وسبع مئة، فسلّمه الى والي القاهرة، فقتله من بعد صلاة الجمعة الى المغرب ألف شيب، فأصبح وقد ورم جسده جميعه، وسُمّر على جمل، وطيف به، وهلك.