للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وتوجه غرماؤه إلى مصر، فسعى، ولم ينجح مسعاه إلى أن طُعن هو وولداه وماتوا في يوم واحد، عفى الله عنه وسامحه.

ولقد كنا يوماً في دار العدل بحلب في أوائل قودم الأمير بكتمر المومني، فقال النائب يوماً كلاماً فيه بعضُ إنكار على القضاة، فخرج هو دون رفاقه، وقال لنفرة وزعارَة: أيش بالقضاة يا أمير؟ فنفر فيه النائب، وقال له: ما تتكلم بأدب!؟ ووضع يده على السيف، وتوعّد، فشغلتُه أنا بقراءة القصص عليه، فاشتغل بذلك لحظة، وقال لنقيب النقباء: ناد في الناس، مَن له على هذا القاضي شكوى، بحضر. فحضر في الوقت الحاضر ثلاثة عشر نفراً، وشكوا عليه، فقال له: يا قاضي، مّن يكون هذه سيرته ما يكون هذا نَفَسه. ثم عقد له ولهم مجلساً، ووزّنه لهم مبلغ أربعة عشر ألف درهم.

ولما زاد شرّه في المرة الأولى بحلب، صنع فيه القاضي زين الدين عمر بن الوردي رسالة، سمّاها الحُرقة للخْرِقة، ووصّى ابنه، قال: إن رجع القاضي عن فعله، اكتمها، واستمر، فأظهرها. فلم يرجع عن غيّه، فأظهرها. وهي نظم ونثر، أبدع فيها، وأتى فيها بكل معنى بديع. منها قوله رحمه الله تعالى:

حاكمٌ يصدُر منه ... خلْفَ كل الناس حَفْرُ

يتمنّى كُفْرَ شخص ... والرضا بالكفر كُفْرُ

وقوله:

امتلأت من ذهب أكياسه ... وقلبه ممتلئٌ من دَغَلْ

ما هو إلا حيّةٌ بَزْقُها ... بالسمّ، هذا المغربي الزَّغَلْ

وقوله:

قاض عن الناش غير راضٍ ... مباهتٌ غالظٌ مخالط

<<  <  ج: ص:  >  >>