مذنباً وأمسى عاصياً وتمنّى أن يرى من فواكه الجنات عنّاباً من النار وقراصيا، فإن كانت هذه الأمطار تكاثر مكارم مولانا فيا طول ما تسْفح، وإن كانت العواصف تتشبّه ببأسه فيا طول ما تلفح، وإن كانت البروق تحاكي ذهنه المتسرّع فيا طول ما تتألق، وإن كانت قوس قزح تتلوّن خجلاً من طروسه فيا طول ما تتألق، وإن كانت الرعود تحاكي جوانح أعدائه فيا طول ما تشهق وتفهق، وإن كانت السيول تجري وراء جوده فإنها تجري على طول المدى وما تلحق، والأوْلى بهذا النوء الباكي أن لا يحاكي، والأليق بهذا الفضل أن لا يتعرّض، فرحم الله مَنْ عرف قدْره، وتحقّق أنّ مولانا في الجود نّدْرَه، أنهي ذلك.
فكتب هو الجواب إليّ عن ذلك، وكتبت جوابه نظماً، وكتب هو الجواب عن ذلك نظماً.
وكتب إليّ وأنا بالقاهرة وهو يومئذٍ في دمشق رسالة في الثلج، وكتبت جوابه، وكتب هو إليّ رسالة يصف كثرة المطر نظماً ونثراً، وكتبت جوابه أيضاً كذلك.
وبيني وبينه مكاتباتٌ كثيرة، وقد أوردت ذلك في كتابي " ألحان السواجع ".
ولمّا توفي رحمه الله تعالى كتبت إلى أخيه القاضي علاء الدين صاحب دواوين الإنشاء أعزيه، ونسخته: يقبّل الأرض وينهي ما عنده من الألم الذي برّح، والسقم الذي جرّ ذيول الدمع على الخدود وجرّح، لما قدّره الله تعالى من وفاة القاضي شهاب الدين:
سَقَتْه بألطف أندائها ... وأغزرها ساريات الغمام
فإنا لله وإنا إليه راجعون، قَولَ من غاب شهابه، وآب التهابه، وذاب قلبه فصار للدمع قليباً، وشهاب فوده لمّا شبّ جمر فؤاده، ولا غروَ فيومه جعل الولدان شيباً،